الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ، وبعد
تمهيد
إن البيئة على أهميتها للإنسان ، وتأثرها بما تكون عليه من سلامة أو خطورة لم يشتمل التراث على إفرادها بالذكر أو التنظير بها ، بالرغم من العناية الفائقة بتطبيقاتها وعناصرها وغزارة لنصوص الشرعية في الحفاظ عليها ، والتحذير من إفسادها
على أن تلك التفصيلات والجزئيات وردت منفصلة ومتباعدة دون رابط بينهما وكان الاهتمام بالجانب التطبيقي بديلاً عن التنظير الشامل لها باعتباره الأمر الأهم وانطلاقاً من إن تعديل السلوك المدمر أو الضار بالبيئة لا يهم أصحاب تخصص علمي أو مهني بعينه ، وإنما يهم جميع أبناء المجتمع قاطبة وخاصة إذا تفاقمت مشكلة تلويث البيئة وهدمها وتدميرها والاعتداء عليها في قضية المجتمع كله أفرادا وجماعات وهيئات ومؤسسات ، وإدارة وحكومة إذ هي قضية مجتمعية وطنية.
إن من المهم جداً طرح هذا الموضوع للبحث والدراسة لجوانب الاهتمام العالمي والإقليمي والمحلي بالبيئة ونشوء كثير من الوزارات والمؤسسات وعقد العديد من المؤتمرات وإصدار المجلات بشأن الحفاظ على البيئة وإن من النتائج المرتقبة للدراسات التي يؤمل تقديمها ومناقشتها هدفان :
الأول معنوي وهو التأصيل وإيجاد الدليل العلمي على سبق الاهتمام لدى المسلمين بالبيئة دون الإفصاح عن مصطلح البيئة ، ومنع إفسادها بتلويثها فضلاً عن تكوين المؤسسات لحمايتها مثل مؤسسة الحسبة ، ومناطق المحميات والحث على الغرس التخضير .. الخ .
وهدفها الثاني عملي وهو بيان الحكم الشرعي لكل من حمايتها أو الإفساد لها ..
التعريف بالبيئة واصطلاحها
البيئة في اللغة مشتقة من ( البوء ) وهو القرار أو اللزوم والمرجع . ومنه الآية ( والذين تبوءوا الدار والإيمان ) والتبوّؤ اتخاذ المسكن وإلفه والتزامه .
وفي الاصطلاح : المحيط الذي يوجد فيه الإنسان وما فيه من عوامل وعناصر تؤثر في تكوينه وأسلوب حياته .
وهناك تعاريف كثيرة للبيئة منها : إنها الإطار الذي يمارس فيه الإنسان حياته و أنشطته المختلفة من الأرض التي يعيش عليها والهواء التي يتنفسه والمـــــاء الذي يرتـــــــوي منه والموجودات المحيطة بالإنســـــان من كائنات حيـــة ( حيوانات ونباتات ) أو جماد أو أنها المكان الذي تتوافر فيه العوامل المناسـبة لمعيشة كائن حي أو مجموعة كائنات حية خاصة
العناصر الأساسية للبيئة
من المفيد تحديد ما له صفة أساسية في تكوين البيئة واستحضارها هو مجال لدراسة التطبيقات الغزيرة ومحاولة التنظير بالتقريب إذا لم يكن بالتحديــد ، ومن المقرر أن هناك طريقتين لإيضــــــــاح المفاهيــــــم وهما : الحد ( التعريف ) أو العد وربما يعسر حصر تلك العناصر لأنها في ازدياد مع معطيات الحياة وتطوير أساليب المدنية ـ وعليه فإن من أهم عناصر أو عوامل البيئة ما يلي :
(1) المكان ( الأرض ) وهو أول عناصر البيئة وأهمها والصقها باشتقاق لفظها
(2) الزمان ( المناخ ) باعتباره حركة المكان
(3) الماء ، لأنه من ضرورات الحياة
(4) الهواء ، لأنه المالئ للمكان والمؤثر والمتأثر به والمتخلل كل فراغ في الأرض .
(5) المعادن ومصادر الطاقة ، لعدم استغناء الإنسان بطبعه عنها .
(6) النبات ، فهو مصدر الرزق الأول للناس وهو مؤثر ومتأثر بالبيئة
(7) الحيوان ، رفيق الإنسان على هذه الأرض ومن النبات والحيوان غذاء للإنسان الذي هو أيضا مؤثر ومتأثر بالبيئة
( الإنسان ، فهو بالنسبة لبني نوعه عنصر من عناصر بيئتهم من حيث العلاقات بين المتعايشين في البيئة والتأثير المتبادل بينهم بشأنها .
وهناك تنويع للبيئة على أساس ان لها بعدين :
(1) بعد طبيعي : يتكون من الأرض وما عليها وما حولها ( الماء والهواء ) وهو ينقسم إلى :
(أ) بيئة مادية : مجموع الكائنات غير الحية
(ب) بيئة بيولوجية مجموع الكائنات الحية بما فيها الإنسان
(ج) العلاقات المتبادلة والتوازن القائم بين البيئتين ا ، ب
(2) بعد مشيد : وهو يتألف من المكونات التي أنشاها ساكنو البيئة الطبيعية وتشمل : المدارس والمصانع والمشافي والطرق ...... الخ
مكانة الحفاظ على سلامة البيئة في الشريعة الإسلامية
للتعرف إلى المكانة التي تحتلها سلامة البيئة وحفظها من المقررات الشرعية نتناول ذلك من منظورين شرعيين :
أولهما : أصول الفقه والمبادئ العامة ، وبخاصة مقاصد الشريعة
والثاني : أحكام الفقه الإسلامي المتعلقة بالبيئة ، من حيث الحكم التكليفي الإجمالي ، وكذلك أهم التطبيقات لمفردات البيئة التي سبقت الإشارة إليها .
سلامة البيئة وحفظها في مقررات أصول الفقه
المقرر أن للشريعة مقاصد يراد تحقيقها من الأحكام الشرعية الفرعية وقد اهتم علماء أصول الفقه ، بدءاً من إمام الحرمين الجويني ، ثم الغزالي ومن بعدهما ، بتحديد المقاصد الشرعية الأساسية التي شرعت لها الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، مما هو معلوم وغني عن البيان وقد اجتهدوا في تحديد تلك المقاصد وغالبهم انتهوا لحصرها في خمسة مقاصد وهي : حفظ الدين ،و حفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ المال ، وزاد بعضهم حفظ النسب فبلغت ستة ، وبهذا المقصد السادس المزيد ظهر أن هذا الحصر ليس قطعياً بل هو مبدئي ، وأن الباب مفتوح لإضافة مقاصد أخرى .
والواقع أن هذه المقاصد المزيدة تندرج في المقاصد الخمسة باعتبارات واضحة ، وان كان إفراداً دالاً على أهميتها ، وليس فيه مخالفة لإجماع ، فضلاً عن تعارض مع نص شرعي وفيما يلي مزيد من البيان لتعداد تلك المقاصد والزيادة عليها بمثل ( سلامة البيئة ) .
تعداد المقاصد الشرعية الضرورية :
إن المتقدمين من علماء أصول الفقه الذين أوردوا المقاصد الشرعية الضرورية لم يحصروها في المقاصد الخمسة المعروفة ( الدين والنفس والعقل والنسل والمال ) واستمدوها من عقوبات الحدود والقصاص . وعلى ذلك جرى الجويني ثم تلميذه الغزالي ثم الرازي و العز بن عبد السلام والشاطبي ومن بعدهم ابن تيمية حيث ذكر الكليات الخمس في عداد المضار التي تدفع وضمّ إلى ذلك ما يندرج في المنافع التي تجلب ونوه بما في الحصر من التقصير.
وقد قرر العلامة محمد الطاهر ابن عاشور إن المقاصد الشرعية الضرورية منها كلي ومنها جزئي وان الجزئي ما كان عائداً على : آحاد الأمة ، وبالكلي ما كان عائدا على عموم الأمة أو على جماعة .... وفيما يلي ما قاله بهذا الشأن :
فالمصلحة العامة لجميع الأمة قليلة الأمثلة ، وهي مثل حماية البيضة وحفظ الجماعة من التفرق ، وحفظ الدين من الزوال ، وحماية الحرمين حرم مكة وحرم المدينة من أن يقعا في أيدي غير المسلمين ، وحفظ القرآن من التلاشي العام أو التغيير العام بانقضاء حفاظه وتلف مصاحفه معاً ، وحفظ علم السنة من دخول الموضوعات ، ونحو ذلك مما صلاحه وفساده يتناول جميع الأمة وكل فرد منها ، وبعض صور الضروري والحاجي مما يتعلق بجميع الأمة.
وأما المصلحة والمفسدة اللتان تعودان على الجماعات العظيمة ، فهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات المتعلقة بالأمصار والقبائل والأقطار على حسب مبلغ حاجاتها . ثم ذكر أمثلة لذلك : التشريعات القضائية لفصل النوازل ، والمعاهدات لتأمين الأقطار والبحار ، والعقود لتأمين التجارة الدولية .... الخ .
وقد حصلت الزيادة على المقاصد الشرعية الضرورية الخمس في عهد مبكر ، فقد نقل القرافي عن بعض فقهاء عصره زيادة ( حفظ العرض ) ثم قال : ونسب في كتب الشافعية إلى الطوفي : وقد عارض ابن عاشور في إدراج ( حفظ العرض ) في الضروري من المقاصد وان الصواب كونه من قبيل الحاجي . وتوسع ابن فرحون في المقاصد الضرورية بتقسيمها إلى أقسام : ما شرع من العبادات لتحقيق العبودية ، أو لبقاء الإنسان ، أو لتحصيل المبادلات، أو لمكارم الأخلاق
وأضاف المعاصرون : العدل والمساواة والحرية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأبلغها بعضهم إلى أربعة وعشرين .
هذا وقد كان مما انزله ابن عاشور منزلة المقاصد الضرورية مبدأ السماحة ومن حكمتها أن الإسلام دين الفطرة وأمور الفطرة جانب أنساني كما لا يخفى....
حماية البيئة من مجالات مقصد الاستخلاف في الأرض .
لقد أورد د. جمال الدين عطية بين المقاصد التي تخص الإنسانية " تحقيق الخلافة العامة للإنسان في الأرض " وان هذا المفهوم يمثل أرضية مشتركة صالحة للتعاون على أساسها برغم تباين العقائد والأجناس واللغات ، وأنه من مجالات التعاون في عمارة الأرض سواء في مجال حماية البيئة ، أو مكافحة الجريمة ، أو في مجالات التنمية المختلفة الزراعية والصناعية والخدمية وغيرها .
سلامة البيئة وحفظها احد مقاصد التشريع
هنالك منطلقان لإثبات هذه الفكرة وهما :
(1) اعتبار ذلك مقصداً شرعياً مضافا إلى ما سبق تقريره من المقاصد الخمسة .
(2) اعتبار ذلك مقصداً مستنداً إلى المقاصد الخمسة المعروفة ( متمما للواجب ) .
(3) باعتبار أن مقصد رعاية البيئة تتوقف عليه المقاصد الأساسية ) وإهماله يتنافى مع حفظها .
وفيما يلي إيضاح ذلك :
1. اعتبار سلامة البيئة مقصداً شرعياً بذاته :
ينطبق على ( سلامة البيئة وحفظها ) لأنه يتوقف عليه التمكن من تحقيق الهدف من أداء التكاليف الشرعية ، وهو "" إخراج المكلف من داعية هواه ، ليكون عبداً لله اضطراراً "" فان البيئة إذا لم تكن سليمة نقية خالية ستعوق المكلف عن أداء ما أوجبه عليه الله من حقوق لربه تعالى ثم لنفسه وأهله ومجتمعه ومن يشاركون في الحياة .
2. اعتبار سلامة البيئة مقصداً متمماً للواجب :
بالتأمل في الأثر يترتب على سلامة البيئة وحفظها يتبين انه يرجع إلى حفظ البيئة وحفظ النفس والنسل فان أكثر العبادات والواجبات الدينية والدنيوية لا يمكن أداؤها أصلا أو على الوجه الصحيح إلا إذا توافرت البيئة التي يعيش فيها الإنسان ويتعامل مع عناصرها من ماء نقي طاهر ، وجو صحي يبقي على قوة بدنه وغذاء نافع لا يضعف بدنه ويلحق به الأمراض والأعراض السيئة التي يورث بعضها لسلالته
ويقرر احد الفقهاء المعاصرين أن صحة الإنسان التي تهدف الشريعة إلى حفظها وصونها تقتضي أن كل تصرف سلبي في البيئة يؤثر سلباً على صحة الإنسان غير مقبول شرعاً لأنه يتنافى ومقاصد الشريعة
وإذا كان الطرح المعاصر السابق لمكانه حماية البيئة على أنها من مجالات التعاون لتحقيق مقصد الاستخلاف في الأرض فان هناك طرحاً اقوي لموقع حفظ البيئة وهوانه مقصد أساسي ( ضروري ) من مقاصد الشريعة ، وذلك ما قرره الدكتور عبد المجيد النجار ، وفيما يلي جوانب من بياناته لتقرير تلك الدعوى فهو بعد أن أشار إلى أن على الإنسان أن ينجز مهمة الخلافة في الأرض متمثلاً في كل ما له علاقة بالحياة الإنسانية من ارض وما عليها من حيوان ونبات وجماد وما يحيط بها من غلاف جوي ومن سماء وما فيها من كواكب و وإجرام تبين أن لها علاقة بالحياة وتأثيرا فيها قال :
" المتأمل في أحكام الشريعة يجد أن كثيراً منها إنما شرع لتحقيق مقصد حفظ البيئة الطبيعية أن تعمل فيها يد الإنسان بتصرفات تخل بنظامها، أو تعطل مقدراتها على أن تكون صالحة للحياه منمية لها ، أو تربك توازنها الذي تقوم عليه عناصرها المختلفة ، وقد جاءت تلك الأحكام متضافرة كلها على منع الإنسان من ذلك ، وأمره بان يبقى على الطبيعة صالحة كما خلقها الله ، وان يمارس عليها مهمة الخلافة على ذلك الوجه من الصلاح ، وما فتئت تلك الأحكام تظهر أهميتها وتتأكد الحكمة في أوامرها ونواهيها ، وذلك كلما أسفرت الأزمة البيئية عن وجهها الكالح ، وتعالت نذرها بالمصير البائس للحياه ، وذلك هو مبرر أن نفرد هذا المقصد الضروري بفصل مستقل من فصول المقاصد الضرورية للشريعة الإسلامية .
وجماع ما جاء في الدين من أمر بحفظ البيئة ونهي عن أي ضرر بها ما جاء في القران والسنة من نهي مغلظ عن الفساد في الأرض ، ومن تشنيع كبير على هذا الصنيع ، وذلك في مواطن متعددة ومواقف مختلفة مما يدل على أن حفظ البيئة من الفساد مقصد ضروري من مقاصد الشريعة الإسلامية ، ومما جاء في ذلك قوله تعالى ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) .
وانطلق فيما ذهب إليه من مدلول الآيات بان الفساد هنا لا يقتصر على الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي وإنما يشمل الفساد الذي يطال البيئة الطبيعية وهو مقصد أساسي فيها وليس ثانوياً ملحقاً بذلك
واستشهد بما ذكره الطبري عن السدي في تفسير ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) بان الذي نزلت فيه هذه الآية إنما نزلت في قتلة حُمُرا لقوم من المسلمين ، وإحراقه زرعا لهم ، وذلك وان كان جائزاً أن يكون كذلك، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه ، والمراد بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال ، والذي يحل قتله في بعض الأحوال إذا قتله بغير حق ، بل ذلك كذلك عندي لان الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شي بل عمه ) أي وهذا التعميم يشمل بصفة أساسية الإفساد البيئي .
وفي تفصيل الحفاظ على البيئة من هذا الفساد ، جاءت أحكام شرعية كثير تهدف إلى تحقيق هذا المقصد الشرعي ، وهي أحكام تلتقي كلها عند ذات المقصد وان كانت تصل إليه من زوايا مختلفة ، فمن حفظها من التلف إلى حفظها من التلوث ، إلى حفظها من السرف الاستهلاكي ، إلى حفظها بالتنمية المستديمة ، علماً بان الأحكام الشرعية الواردة في هذا الشأن لم تكن مفصلة بصفة مباشرة بما قد يتصور البعض انه قوانين قد وضعت خصيصاً لمعالجة الأزمة البيئية الراهنة ، وإنما هي إشارات وتنبيهات وتوجيهات تنحو أحيانا منحى التعميم ، وتنحو أحيانا أخرى منحى التفصيل ، ولكنها تهدف كلها إلى تأسيس ثقافة بيئية تعصم التصرف الإنساني من الاعتداء إلى المحيط الطبيعي بالفساد في أي وضع كان فيه ، وفي أي مستوى حضاري وصل إليه
نوع وموقع ( سلامة البيئة ) بين المقاصد عند ترتيبها
لقد لاحظ العلماء أن هذه الضروريات تنقسم على جملتها إلى قسمين :
• قسم يضم المقاصد الدينية ، وفيه مقصد حفظ الدين
• وقسم يضم المقاصد الدنيوية ، وهي المقاصد الأربعة الباقية
فاختلفوا على هذا الأساس في ترتيب هذين القسمين ، فكانوا في ذلك على مذهبين :
المذهب الأول : تقديم الدين على المقاصد الأربعة ، والنفس على الثلاثة والنسب على الاثنين ، والعقل على المال وهذا ما ذهب إليه الجمهور من الأصوليين .
المذهب الثاني : إن مقصود الدين متأخر عن الأربعة ، فيكون تريب الضروريات الخمس بتقديم النفس على الأربعة ، فيكون ترتيب الضروريات الخمس بتقديم النفس على الأربعة ثم النسب على الثلاثة ثم العقل على الاثنين ثم المال على الدين وآخر الضروريات يكون حفظ الدين .
وقد حسن هذا الترتيب ابن أمير الحاج من الحنفية حيث قال رحمه الله : " وقد كان الأحسن تقديم هذه الأربعة على الديني ، لأنها حق الآدمي ومبني على الضيق ويتضرر بفواته والديني حق الله تعالى وهو مبني على التيسير والمسامحة وهو لغناه وتعاليه لا يتضرر بفواته. ويبدو من كلام ابن الحاجب انه يرى إمكان تقديم وترجيع الأربعة على مقصد حفظ الدين محتجاً بان حق الآدمي مرجح على حق الله تعالى ، فانه يقول رحمه الله " وقد يرجع العكس – أي المقاصد الدنيوية الأربعة على مقصد الدين بان حق الآدمي لتضرره مرجح على حق الله لعلوه عن الضرر .
ولا يخفى أن ( سلامة البيئة ) من المقاصد الدنيوية رغم تأثيرها في المقاصد الدينية فينطبق عليها ما سبق .
حفظ البيئة بإقامة الأصل بوجودها ومنع اختلالها .
نقل الطاهر ابن عاشور عن الشاطبي قوله : " وحفظ هذه الضروريــــــات ( ومنها كما سبق حفظ البيئة ) بأمرين :
احدهما ما يقيم أصل وجودها
والثاني ما يدفع عنها الاختلال الذي يعرض لها "
ثم قوله : إن حفظ هذه الكليات معناه حفظها بالنسبة لآحاد الأمة وبالنسبة لعموم الأمة بالأولى :
فحفظ الدين معناه حفظ دين كل احد من المسلمين أن يدخل عليه ما يفسد اعتقاده وعمله اللاحق بالدين وحفظ الدين بالنسبة لعموم الأمة ، أي دفع كل ما شانه أن ينقض أصول الدين القطعية . ويدخل في ذلك حماية البيضة والذب عن الحوزة الإسلامية بإبقاء وسائل تلقي الدين من الأمة حاضرها واتيها .
ومعنى حفظ النفوس حفظ الأرواح من التلف افراداً وعموماً ، لان العالم مركب من افراد الإنسان ، وفي كل نفس خصائصها التي بها بعض قوام العالم . وليس المراد حفظها بالقصاص كما مثل به الفقهاء ، بل نجد القصاص هو اضعف أنواع حفظ النفوس ، لأنه تدارك بعض الفوات . بل الحفظ أهمه حفظهما عن التلف قبل وقوعه ، مثل مقاومة الأمراض السارية . وقد منع عمر بن الخطاب الجيش من دخول الشام لأجل طاعون عمواس .
معطيات الفكر البيئي المعاصر ، وجذورها الإسلامية
لا ينكر أن الفكر البيئي المعاصر قد جاء بعدد من المفاهيم التي تغيرت بها نظرة الإنسان للبيئة ، وهي و إن كانت حديثة الظهور في الغرب فإن جذورها في التراث الإسلامي قديمة وأصيلة .
وعلى سبيل المثال - لا الحصر – نورد هذه المقارنة الموجزة بين بعض المفاهيم التي جاء بها الفكر البيئي المعاصر ، وما يقابلها من الإشارات القرآنية التالية :
أ- مفهوم ( شـمولية البيئة ) بمعنى وحدتها والترابط القائم بين عناصرها يقابله مفهوم ( وحدة الكون ) وانتظام القوانين التي أودعها الله تعالى فيه ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق واجل مسمى ) .
ب- مفهوم ( التوازن ) وهو الوضع الوسط الذي يسود مكونات البيئة بحيث تتفاعل بعلاقات متوازنة يقابله مبدأ ( الميزان ) الذي جعله الله ضماناً لاستمرار الحياة في الكون ( الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان ) .
ج- مفهوم ( محدودية الموارد ) رغم ما رتب عليه الاقتصاديون من مبدأ ندرة الموارد بالتفسير التقليدي يقابله مبدأ ( التقدير ) (كل شي عنده بمقدار ) ( وقدر فيها أقواتها ) .
د- مفهوم ( التنوع ) الذي يتحقق به التوازن الطبيعي يقابله مبدأ تنوع الخلق الذي هو الوسيلة للحفاظ على أوضاع النظم البيئية (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفســـــهم ومما لا يعلمون )
ه- مفهوم حماية البيئة يقايله مبدأ حراسة الأرض التي استخلف فيها الإنسان ليقوم بصيانتها لضمان استمرار الانتفاع من خيراتها .
المصادقة مع البيئة
خلق الله تعالى لمصلحة الإنسان وانتفاعه كل ما في البيئة من ماء وهواء ومناخ وحيوان ونبات وتربة و معادن ، وأوجدها بمقاسات ومعايير متوازنة لمصلحة الإنسان كي يستثمرها ويعمرها وينتفع من خبراتها ( وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) .
ومن هنا كان المنهج الإسلامي في تحديد علاقة الإنسان بالبيئة هي الصداقة والشعور بالصلة الوثيقة والخصوصية وهذا يختلف عن المنهج الذي يتردد أحياناً بالرغم من الشعارات لصالح البيئة – فيجعل العلاقة بين الإنسان وبين البيئية هي القهر لها والتغلب عليها ، بحيث ظهرت تعابير ( قهر البيئة ) ( غزو الصحراء ) مما يندرج في أسلوب الصراع.
ومن هذا القبيل الحقبة الاستعمارية وما اتصفت من حرص وطمع المستعمر لامتلاك خيرات البلاد المستعمرة والاستنزاف لطاقاتها ومواردها وحرمان الشعوب الأصلية منها وكان الاستعمار اكبر أعداء البيئة . وقد تغير الحال الآن بعد أن ملكت الدول أمورها وازداد حرصها على مواردها والمزايا الطبيعية لبيئاتها ما بين معادن ومكامن للطاقة ، أو أراض خصبة ، أو مساحات خضراء ( غابات و حدائق ومحميات ) .
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الممارسات لدى الغربيين تبالغ في شان بعض عناصر البيئة، على حساب المصلحة الواضحة للإنسان ، وكل من المبالغة ( الإفراط ) أو التقصير مذموم .
ومقتضى الصداقة مع البيئة أن يكون التعامل مع البيئة وما سخره الله للناس من إمكانات تعاملاً تغلفه الألفة وتحوطه الرحمة وتجمعه بالإنسان عبادة الله تعالى المشتركة وكيلا تتعرض الموارد للاستنزاف والتبديد ، لابد أن يحمل الإنسان من القيم ما يتفق وتحقيق الأهداف السابقة ، إذ القيم التي يحملها الإنسان ، والموقف الذي يتخذه حيال الطبيعة والموارد التي أودعها الله تعالى فيها هي التي تحدد إن كان الإنسان صديقاً للبيئة والحياة أو عدوا لها، مضرا بها وقاسياً عليها ، مع استحضار أن الإسلام دين جاء ليغرس في الإنسان مجموعة من القيم التي تجعل منه صديقاً حميما للبيئة والحياة بعمرها ماديا كما يعمرها معنويا بالعديد من القيم التي تجعل منه صديقاً حميماً للبيئة والحياة يعمرها ماديا ومعنويا بالعديد من القيم ومنها تلك التي تحكم الجانب الاقتصادي .
والمنهج الإسلامي في الحفاظ على البيئة هو الأمر بالتوسط والاعتدال في كل تصرفات الإنسان، باعتبار الإسراف من أهم عوامل الخلل والاضطراب في منظومة التوازن البيئي المحكم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للحياة والإحياء في هذا الكون . وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن يقف الإنسان مكتوف الأيدي إزاء النظم البيئية المحيطة به ، أو أن يعطل أداء واجب التعمير ( التنمية ) الذي تقتضيه أمانة الاستخلاف في الأرض ولكنه يعني أن يتعامل الإنسان مع هذه النظم البيئية بما يمكنه من تطوير حياته دون إسراف في استخدام الموارد الطبيعية أو جور على حقوق الآخرين .
المشكلات التي تهدد البيئة
هناك مشكلات كثيرة تهدد البيئة ولا حصر لها فهي في تزايد مستمر
(1) التلوث ، التصحر ، الانقراض ( فقدان التنوع البيولوجي ) ، الاستنزاف للموارد
(2) الرعب النووي ، التدمير الشامل
(3) الاحتباس الحراري ، استنفاذ أوزون الغلاف الجوي
(4) عدم الاعتراف بالقيم البيئية والحوافز بشان البيئة .
وهذه المشكلات لا تهدد الإنسان المعاصر فحسب بل تهدد حق الأجيال القادمة في عيشهم في مناخ صحي امن ، وحصولهم على حاجاتهم المعيشية .
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى عدم قدرة الإنسان الذي شهد اكتشافات هائلة في مجال التعليم والتكنولوجيا على التعامل مع التوازنات البيئية الطبيعية أثناء سعيه الدءوب لإشباع حاجاته الأمر الذي يتطلبه إدارة للأنشطة التنموية تضمن استدامة التنمية من خلال إدارة كل نشاط بأقل قدر من الموارد وبأقل لفظ للنفايات .
والتنمية المستدامة للبيئة ذات مضمون أخلاقي ينطوي على مسئولية للجيل الحالي تجاه الأجيال القادمة . وبعض هذه المشكلات ينتج عنها احد أمرين أو كلاهما :
• فساد البيئة التي يعيش فيها الإنسان وسائر الكائنات الحية
• فساد الموارد البيئية التي يعتمد عليها الإنسان وسائر الكائنات الحية
الأمر الذي ينتقص من صحتهم وينتقص من عطاء الموارد الطبيعية اللازمة لمعيشتهم ، واختلال التوازنات الطبيعية .
ولقد ميز الله تعالى الإنسان بالعقل والعلم والعمل ، واستخلفه في الأرض واستأمنه عليها لعمرها . ولكن الإنسان قد قصر في هذه الأمانة حين تعامل مع مستويات من العلم والمعرفة لم ولن تصلها إدراكاته أبداً ، الأمر الذي أدى إلى فساد البيئة والذي تمثل في استنزاف الموارد الطبيعية وتلوثها واختلال التوازنات الطبيعية .
فالوسطية الرشيدة إذن هي مسلك المسلمين ودعوة الإسلام لإتباعه في كل الأحوال وعموم الأوقات ومن ثم فإنها خير ضمان لحماية التوازن البيئي الذي سنه الخالق جل وعلا لاحتضان الحياة واستمرار الوجود على كوكب الأرض ولقد أجمعت الدراسات التي أجريت حول مشكلات التلوث البيئي بجميع أشكاله ، على أن الإسراف يفضي إلى مشكلات بيئية أخرى لا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحدة بل يمتد ليشمل باقي الأحياء التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض وان ما تعانيه البيئة اليوم من تدهور شمل ثرواتها الطبيعية التي أوشك بعضها على النفاذ ، وغاباتها الشاسعة التي أزيل منها الكثير ، بالإضافة إلى بعض أنواع الطيور والحيوانات والكائنات البحرية التي انقرضت ، أو في طريقها إلى الانقراض ليس إلا نتيجة طبيعية لتدخل الإنسان الزائد عن الحد بما يفسد على البيئة نظامها المحكم الدقيق .
ولا شك أن خير وسيلة لإنقاذ البشرية أو البيئة من آثار الإسراف واستنزاف الموارد الطبيعية دون جدوى ، أو دون اكتراث بالأخطار ، إنما يكون بالعودة إلى منهج الدين الإسلامي في الوسطية والاعتدال حيث لا ضرر ولا ضرار
الحفاظ على سلامة البيئة في الشريعة الإسلامية
تمهيد في أدبيات البيئة في التراث الإسلامي من حيث التطبيقات
أورد الدكتور احمد فؤاد باشا في دراسة له أن التراث الإسلامي يزخر بمؤلفات عديدة حول البيئة وسلامتها من جوانب مختلفة ، فعلى سبيل المثال ، ألف الكندي " رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الاوباء ورسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية " ووضع ابن المبرح كتابا اسماه " فنون المنون في الوباء والطاعون " وتكلم ابن سينا بالتفصيل في كتابه " القانون " عن تلوث المياه ومعالجته ، وعن طبيعة الماء والهواء المؤثرين في المكان عند اختيار موقع ما للسكنى .
أما الرازي فقد نشد سلامة البيئة عندما استشاره عضد الدولة في اختيار موقع لمستشفى بغداد فاختار الناحية التي لم يفسد فيها اللحم بسرعة ، وكانت المستشفيات بصورة عامة تتمتع بموقع تتوافر فيه كل شروط الصحة والجمال ، فعندما أراد السلطان صلاح الدين أن ينشئ مستشفى في القاهرة اختار له احد قصوره الفخمة البعيدة عن الضوضاء وحوله إلى مستشفى ضخم كبير هو المستشفى الناصري .
وألف الرازي " رسالة في تأثير فصل الربيع وتغير الهواء تبعاً لذلك " وأبان أبو مروان الأندلسي في كتابه " التيسير في المداواة والتدبير " عن فساد الهواء الذي يهب من المستنقعات والبرك ذات الماء الراكد وجاء في كتاب بستان الأطباء وروضة الالباء " لابن المطران الدمشقي ما يؤكد ضرورة مراعاة تأثير البيئة عند تشخيص المرض في بلد ، أن ينظر في وضع المدينة ، ومزاج الهواء المحيط بها ، والمياه الجارية فيها والتدبير الخاص الذي يستعمله قوم دون قوم وهذه رؤية متقدمة في " علم الطب البيئي " .
وصنف محمد ابن احمد التميمي في القران الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) كتابا كاملا عن التلوث البيئي وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه ، وفصل الحديث فيه عن ثلاثية الهواء والماء والتربة وتبادل التلوث بين عناصرها وجعل عنوانه " مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الاوباء "
وتضيف الدكتور عزة الرباط التنويه بما في رسائل إخوان الصفامن الكلام عن عناصر البيئة وعلاقتها ببعضها ، وما في كتاب الحيوان للجاحظ ، وحياة الحيوان للدميري والقزويني في عجائب المخلوقات عن تأثير البيئة على الحيوان وما كتبه المجريطي عن البيئة الطبيعية وتأثيرها على الكائنات الحية وكتابات أبي زكريا العوام وابن البيطار عن النبات .
النصوص القرآنية في شان البيئة
وقبل الدخول في المبادئ التطبيقية المتعلقة بالحفاظ على سلامة البيئة من المناسب استعراض النصوص القرآنية التي استشهد بها الباحثون في الموضوع والتعرف إلى دقة ذلك الاستشهاد أو التحكم فيه لمجرد اشتمال النص على كلمة ( الفساد ) أو ( الإفساد ) عموما أو الإفساد في الأرض أو المفسدين ......... الخ
لا يخفى أن الفساد أو الإفساد وحتى الإفساد في الأرض المقصود الأساسي منه هو ضد الإصلاح والإصلاح المعنوي فهو مخالفة أمر الله ، والتنكب عن شرعه والمعصية لما جاءت به رسله . أي انه الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي لكنه – كما نبه بعض الباحثين – لا يقتصر عليه ، فيشمل الإفساد المادي للبيئة ومواردها .
والجدير بالذكر أن بعض الآيات جاء في سياقها ما يؤكد هذه الشمولية، إذا لم تحمل على خصوصية الإفساد المادي ، مثل قوله تعالى (( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )) وقد سبقت الإشارة إلى ذلك العموم في المراد بهذه الآية الإمام الطبري فيما نقله عن السدي سبب نزولها وهو قتل حمر لقوم من المسلمين وإحراق زرع لهم .ولا يخفى أن ذلك التعميم يشمل الإفساد البيئي .
مبادئ شرعية تطبيقية في الحفاظ على سلامة البيئة
وفيما يلي ما طرحه د.عبد المجيد النجار من وجوه حفظ البيئة سواء بالإبقاء عليها سليمة بحفظها من التلف أو التلوث أو فرط الاستهلاك أو بحفظها بالتنمية .
حفظ البيئة من التلف
من المنهي عنه نهياً مغلظاً في التعاليم الإسلامية الإتلاف للبيئة الذي يتمثل في احد نوعين : الإتلاف الذي يفضي إلى عجز البيئة عن التعويض الذاتي لما يقع إتلافه فيؤول إلى الانقراض والإتلاف قي استخدام مواردها ولو كان ذلك الإتلاف استهلاكا في منفعة .
وإنما طلبت الشريعة الإسلامية صيانة البيئة من هذين النوعين من التلف لما يفضي إليه كل منهما من خلل بيئي يعطل كفاءة البيئة عن أداء مهمتها في إعالة الحياة ، إذ كل شي فيها قدر تقديرا في سبيل تحقيق تلك الإعالة ، ومن النصوص الناهية عن إتلاف البيئة بنوعيه قوله تعالى : (( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )) ، وقوله في النهي عن إتلاف الحيوان " من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول " أن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني في منفعة " وقوله " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض " وكذلك الأمر بالنسبة لإتلاف النبات ، فقد قال صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ، " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار "
حفظ البيئة من التلوث
لا يكون الفساد في الأرض بإهلاك عناصر البيئة الطبيعية إهلاكا عبثياً أو إهلاكا قارضا فحسب، وإنما يكون الفاسد أيضاً بتلويث البيئة بما يقذف فيها من عناصر مسمومة ، أو بما يغير من النسب الكمية أو الكيفية لمكونات البيئة التي قدرت عليها في أصل خلقتها ، فان ذلك يفضي إلى تعطيل العناصر البيئية في ذاتها أو في كيفياتها عن أن تؤدي دورها النفعي للإنسان ، بل قد تحولها هي نفسها إلى عناصر وكيفيات مسمومة ، وإذا أداؤها البيئي يتحول من نفع للحياة ولحياة الإنسان خاصة إلى إضرار بهما من حيث وجدت البيئة أصلا من اجل إعمار الحياة ، وتمكين الإنسان من أداء مهمة الخلافة .
ومن أبين الأحكام المتعلقة بصيانة البيئة من التلوث ما جاء من تشريع يوجب على الإنسان الطهارة في حياته كلها ، ابتداءا من طهارة الجسم إلى طهارة الثوب والآنية والمنزل ، وانتهاء بطهارة الشارع والحي والأماكن العامة . وقد ارتقت الأوامر الشرعية في هذا الشأن إلى أن أصبحت تمثل مبدأ أساسيا من مبادئ السلوك ، بل انها ارتبطت بمفهوم العبادة ارتباطا أصبح معه التطهر بمفهومه العام جزءا من عبادة الله عالى وناهيك عن ذاك أن الصلاة وهي رأس العبادات تتوقف في صحتها على تحقق الطهارة في الجسم والثوب والمكان وقد قال تعالى في التطهر بمعنى عام (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )).
ومن هذه الأحكام ذات الدلالة في صيانة البيئة من التلوث ما جاء في تشريع يوجب التطهير للاماكن الخاصة والعامة وصيانتها من كل ما عسى أن يلوثها من مختلف الملوثات، فقد قال صلى الله عليه وسلم (( إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله )) وذلك على معنى أن يتخير لتصريف بوله موقعا تمحي فيه آثاره بسرعة فلا يكون له تلويث يضر بما حوله ، كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا : (( اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل ) ففي هذه المواضع يكون البراز أكثر تلويثا للبيئة إذا هي مواقع حركة من شأنها أن تزيده انتشارا ، فورد النهي عنها منعاً للتلوث ، وفي هذا السياق قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه )) وذلك لما يتسبب فيه هذا الصنيع من تلوث المياه وعفونتها .
حفظ البيئة من فرط الاستهلاك
إن كل كائن حي في البيئة حياته أن يكون من مواردها استهلاك مقدرة بالدورة الكبرى ، محسوب في قيام توزانها ودوامه ، والإنسان لا يخرج عن هذا القانون البيئي إلا أن المهمة التي كلف بها لتكون غاية لوجوده تقتضي لكي ينجزها أن يكون استهلاكه من مقدرات البيئة أوفى من الاستهلاك لمجرد الحفاظ على الحياة مثل سائر الكائنات الحية الأخرى ، إذ هو مكلف بالتعمير في الأرض وهي غير مكلفة بشيء ، وهذا الاستهلاك الزائد الذي تقتضيه مهمة الإنسان في الحياة هو أيضا مقدر في التكوين البيئي، محسوب في قيام توازنها ودوامه .
والنصوص الشرعية كثيرة في ذم التبذير والإسراف وهو الإنفاق في غير حق سواء في الماء أو الشجر أو سائر موارد البيئة ، وفي الاقتصاد والتوسط بين الإسراف والبخل ولاسيما فيما هو محدود الكمية غير قابل للتكاثر .
حفظ البيئة بالتنمية
لما كانت بعض الموارد تصير بالاستهلاك إلى نفاد ليس له جبر فان التشريع الإسلامي جاء يصونها بالترشيد في ذلك الاستهلاك وعدم التبذير كما بيناه آنفا . ولكن تلك الموارد التي تصير هي أيضا إلى النفاذ ولكنها تقبل الجبر لذا جاء التشريع الإسلامي يوجه إلى صيانتها من النفاد بترشيد الاستهلاك فيها أيضا فانه جاء يوجه إلى صيانتها بطريقة أخرى أكثر فعالية في الصيانة ، وهي طريقة التثمير والتنمية ، وذلك ليكون ما يستهلك منها مخلوفا على الدوام بما ينمي ويثمر .
وفي هذا السياق جعلت الشريعة الإسلامية زرع الزروع وغرس الأشجار بابا عظيما من أبواب الأجر لا ينقطع ن فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة ، ولا يرزؤه احد إلا كان له صدقة ) وكفى بذلك دافعا إلى التنمية البيئية في المجال النباتي .
ومن التشريعات الإسلامية في تنمية البيئة ما جعل في ملكية الأرض إذا كانت مهملة من أن إحياءها بالزرع هو السبب الذي يبتغى منه ملكيتها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم (( من أحيا أرضا ميتة فهي له ) ) وما جعل من أن تعطيل تلك الأرض عن دورها الإنمائي للثروة النباتية قد يكون سببا في نزع ملكيتها من صاحبها ، قد قال صلى الله عليه وسلم (( من كانت له ارض فليزرعها أو ليمنحها أخاه )) وحينما يعتبر إنماء البيئة النباتية سببا لملكية الأرض فان ذلك يكون دافعاً قويا لتحقيق هذا الإنماء لفطرية ما في النفوس من حب التملك عامة وتملك الأرض بصفة خاصة .
علم النفس البيئي ، وعلم التربية البيئي وغيرها من العلوم :
الحاجة ملحة وماسة لعلم نفسي بيئي ، يعيد للإنسان توازنه و للبيئة حقها المسلوب وللمجتمع هدوءه واستقراره وللتنمية ديمومتها وتقدمها . إن علم النفس البيئي فرع جديد من فروع علم النفس الحديث ظهر من جراء تزايد الاهتمام بالبيئة وما يكتنفها من التلوث والتدمير والعدوان وما أصابها من عبث وفساد .
إن علم النفس البيئي يتعامل مع العلاقة المتبادلة والتأثير المشترك بين الإنسان وبيئته ، وهو محاولة عملية للمساهمة في حماية البيئة وحل مشاكلها المتزايدة ، وتتضح هذه الحقيقة من كون معظم المشاكل البيئية هي في واقع الأمر من صنع الإنسان .
يقول الدكتور عبد الرحمن محمد العيسوي في كتابه الرائع ( في علم النفس البيئي ) إن أفضل الطرق لعلاج التلوث والوقاية من انتشاره تكمن في تعديل سلوك الناس واتجاهاتهم نحو بيئتهم ونحو حب البيئة والارتباط بها ، والشعور بأننا وبيئتنا شي واحد .
والحقيقة التي تؤكدها إن قضية المحافظة على البيئة وحمايتها وتجميلها وتحسينها واستغلالها قضية تربوية في المقام الأول ذلك لان القانون ومهما شدد من العقوبات فانه لا يستطيع أن يراقب الإنسان في كل خطواته وهو داخل منزله أو داخل غرفته أو في عمله أو في الحدائق العامة أو في المنتزهات .
إن قضية البيئة قضية مشتركة العلوم ، يهتم بها علماء الشريعة وكذا الطب والسياسة والاقتصاد والتربية وعلم النفس والقانون والإعلام والسياحة والزراعة والصناعة كل من جهة تخصصه بل إن هناك فروعا متخصصة أخرى ظهرت حديثا مثل : علم الاجتماع الحضري والزراعي والصناعي وعلم الحياة الاجتماعية وعلوم الجغرافيا السلوكية وعلم التخطيط للترفية وقضاء أوقات الفراغ ، وهي ذات علاقات مشتركة مع قضايا البيئة .
وحفظ البيئة بقضية أخرى مهمة وحيوية هي قضية التنمية الشاملة والتنمية الشاملة كما هو معلوم تهتم بتنكية الجوانب الاقتصادية والبشرية والاجتماعية والســــــياحية والزراعة والثقافية والريفية والإنســــانية بشكل عام
جوانب من الاهتمام العالمي بالبيئة
هذه الجوانب متممة للبحث للحفظ على إيلاء المسلمين الأهمية للبيئة لمواكبة الجهود العالمية:
أولا : مؤسسات حماية البيئة .:
أ- تقوم المؤسسة الإسلامية للحفاظ على البيئة والعلوم البيئية ومركزها في ببرمنجهام بانجلترا بتطوير برامج متنوعة للمؤسسات الدينية في الدول الإسلامية حول العالم . في أواخر عام 2006م قامت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بإطلاق برنامج تربوي بيئي في تنزانيا يستهدف 12650 من تلاميذ المدارس الابتدائية و 12650 من طلبة المدارس الدينية الإسلامية وتدريب 220 من أساتذة وتلاميذ المدارس الابتدائية حول قضايا تتعلق بالأنظمة البيئية البحرية والساحلية .
ب- تتخذ دول مثل إيران خطوات ايجابية في هذا المجال وتفخر كثيرا بحقيقة أن مؤتمر " رامسار " حول حماية المناطق المائية ، والذي حقق نجاحاً باهرا ، يأخذ اسمه من مدينة إيرانية تم فيها توقيع اتفاقية خاصة بذلك عام 1971م ورغم سنوات عديدة تالية من النزاع واللامبالاة البيئية قامت الحكومة الإيرانية عام 2004م بتنظيم مؤتمر دولي حول الأمن البيئي دعي إليه الأميركيون أيضا ، حيث أبرزت قضية استخدام الحفاظ على البيئة من اجل بناء السلام وقد صرح الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بان التلوث يطرح خطرا أعظم بكثير من الحرب واقترح حلولاً من أجل الحفاظ على البيئة كأكثر قضية ايجابية تجمع دول الخليج معاً .
ج- تحاول دول الخليج من جانبها ، الحد من التلوث البيئي وآثاره إذ تضطلع دولة الإمارات العربية المتحدة بتجربة رائدة وفريدة من نوعها حاليا وذلك بإنشاء مدينة متوازنة وخالية من الانبعاثات الكربونية هي مدينة " مصدر " التي ستعتمد على مصادر الطاقة البديلة وستؤوي حوالي خمسين ألف شخص .
د- يوجد في جزء ناء من جاوا أكثر جزر اندونيسيا اكتظاظا بالسكان نوع غير شائع من الوعي البيئي اخذ يتجذر في ظلال بركان ميرابي العظيم ووسط حقول خصبة من الأرز وقصب السكر تقوم مدرسة صغيرة بتخريج بيئيين لا يعتمد التزامهم في الأرض على نصوص غربية للحفاظ على الطبيعة وإنما على قيم ترتكز على تعاليم الإسلام ويستخدم مدير المدرسة نصر الدين انشاري أحيانا شعار ارض واحدة للجميع بنفس عدد المرات التي يتفوه بها بالتكبير ( الله اكبر )
ه- عقدت جامعة السلام التي قامت بتكليف من الأمم المتحدة في مكان لا يبعد كثيراً عن مدرستنا الدينية صديقة الطبيعة حول تعليم السلام بمضمون إسلامي في نوفمبر الماضي بجامعة " غادجا مادا " في يوغيكارتا وقد تجمع عدد من علماء الدول الإسلامية لبحث الأبعاد المختلفة لتعليم السلام وتطوير خطط دراسية لتطبيقها في المدارس الإسلامية .
ثانيا : مؤتمرات حماية البيئة
• عقد مؤتمر دولي لمنع تلوث البحار بالنفط 1954م
• عقد مؤتمر للبيئة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث على حلول لمشكلات التلوث غيرها .
• وفي عام 1972م عقد مؤتمر للأمم المتحدة في مدينة ستوكهولم السويدية وحضرته كافة الدول .
• وفي عام 1975م عقدت ندوة عالمية للتربية البيئية والبحار في بلجراد .
• وقد عقدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء البيئة في الرباط نوفمبر 2008م.
ثالثا : نشرات ومجلات مخصصة لذلك :
هناك نشرات محلية صادرة عن وزارات الصحة كما ان هناك مجلات محلية وعالمية في شؤون البيئة وحمايتها .
رابعا : المحميات المخصصة للبيئة في مجال الحيوان والنبات "
خامسا : هناك متطلبات صناعية وخدمية واشتراطات عالمية
سادسا : أكاديمية إسلامية للبيئة مقترحة .
المراجع
• الغذاء والبيئة ، نزار احمد النصف ( نشر جمعية حماية البيئة الكويتية )
• الأمراض والوراثة والبيئة د.احمد الكباريتي ( نشر جمعية حماية البيئة 1981 )
• البيئة والإنسان علي راضي أبو زريق من سلسلة دعوة الحق إصدار رابطة العالم الإسلامي برقم 195 طبع عام 1416هـ
• البيئة وجذور التربية البيئية الدكتورة عزة عمر الرباط مطبعة الصباغ دمشق 2000م
• البيئة في الإسلام علاء الخطيب من الانترنت
• الإنسان والبيئة والتنمية من منظور إسلامي احمد فؤاد باشا مجلة العالمية تاريخ 1428هـ 2007م
• الترية البيئية من منظور إسلامي مجموعة مقالات نظمي خليل أبو العطا من الانترنت
• الإنسان والبيئة محمد رشيد الصباريني مكتبة الكناتي الأردن 1994
• هندسة النظام البيئي في القران الكريم دار الحكمة البحرين 1995
• البيئة العامة ، الجزء النظري أكرم الخوري ومحمد عبيد 1990 دمشق
• تلوث البيئة وكيف عالجه الإسلام محمد احمد رشوان جامعة محمد بن سعود الرياض 1994
• التلوث الضوضائي والتربية البيئية المطببة العصرية بيروت 1997
• التربية البيئية محمد منير سعد الدين دار بيروت المحروسة 1995
• البيئة في الفكر الإنساني والواقع الإيماني عبد الحكيم عبد اللطيف الصعيدي
• المنهج الإسلامي لعلاج تلوث البيئة احمد عبد الوهاب عبد الجواد الدار العربية للنشر القاهرة 1993
• التلوث وحماية البيئة محمد عودات مطبعة الأهالي دمشق 1988
• البيئة والصحة العامة إحسان علي محاسن دار الشروق عمان 1992
• التربية البيئية في الوطن العربية إبراهيم عصمت مطاوع دار الكرامة 1995
• الإسلام والمحافظة على البيئة ايريس صفوت مجلة الإسلام اليوم ايسيسكو 1994
• المدخل إلى العلوم البيئية سامح عرابية ويحيى فرحان دار الشروق عام 1987 عمان
• التربية البيئية صبري الدمرداش دار المعارف القاهرة 1998
• الإنسان وتلوث البيئة محمد السيد ارناؤوط القاهرة 1999
• التربية البيئية لطفل الروضة وفاء سلامة ( رسالة دكتوراه ) دار الفكر العربي 1998
• بيئة من اجل البقاء محمد سعيد الحفار دار الثقافة قطر 1990
• البيئة في شرع خالقها ( بحث ) مجلة الأزهر للعلوم 1997
• قضايا البيئة من منظور إسلامي وزارة الأوقاف قطر 1999
تمهيد
إن البيئة على أهميتها للإنسان ، وتأثرها بما تكون عليه من سلامة أو خطورة لم يشتمل التراث على إفرادها بالذكر أو التنظير بها ، بالرغم من العناية الفائقة بتطبيقاتها وعناصرها وغزارة لنصوص الشرعية في الحفاظ عليها ، والتحذير من إفسادها
على أن تلك التفصيلات والجزئيات وردت منفصلة ومتباعدة دون رابط بينهما وكان الاهتمام بالجانب التطبيقي بديلاً عن التنظير الشامل لها باعتباره الأمر الأهم وانطلاقاً من إن تعديل السلوك المدمر أو الضار بالبيئة لا يهم أصحاب تخصص علمي أو مهني بعينه ، وإنما يهم جميع أبناء المجتمع قاطبة وخاصة إذا تفاقمت مشكلة تلويث البيئة وهدمها وتدميرها والاعتداء عليها في قضية المجتمع كله أفرادا وجماعات وهيئات ومؤسسات ، وإدارة وحكومة إذ هي قضية مجتمعية وطنية.
إن من المهم جداً طرح هذا الموضوع للبحث والدراسة لجوانب الاهتمام العالمي والإقليمي والمحلي بالبيئة ونشوء كثير من الوزارات والمؤسسات وعقد العديد من المؤتمرات وإصدار المجلات بشأن الحفاظ على البيئة وإن من النتائج المرتقبة للدراسات التي يؤمل تقديمها ومناقشتها هدفان :
الأول معنوي وهو التأصيل وإيجاد الدليل العلمي على سبق الاهتمام لدى المسلمين بالبيئة دون الإفصاح عن مصطلح البيئة ، ومنع إفسادها بتلويثها فضلاً عن تكوين المؤسسات لحمايتها مثل مؤسسة الحسبة ، ومناطق المحميات والحث على الغرس التخضير .. الخ .
وهدفها الثاني عملي وهو بيان الحكم الشرعي لكل من حمايتها أو الإفساد لها ..
التعريف بالبيئة واصطلاحها
البيئة في اللغة مشتقة من ( البوء ) وهو القرار أو اللزوم والمرجع . ومنه الآية ( والذين تبوءوا الدار والإيمان ) والتبوّؤ اتخاذ المسكن وإلفه والتزامه .
وفي الاصطلاح : المحيط الذي يوجد فيه الإنسان وما فيه من عوامل وعناصر تؤثر في تكوينه وأسلوب حياته .
وهناك تعاريف كثيرة للبيئة منها : إنها الإطار الذي يمارس فيه الإنسان حياته و أنشطته المختلفة من الأرض التي يعيش عليها والهواء التي يتنفسه والمـــــاء الذي يرتـــــــوي منه والموجودات المحيطة بالإنســـــان من كائنات حيـــة ( حيوانات ونباتات ) أو جماد أو أنها المكان الذي تتوافر فيه العوامل المناسـبة لمعيشة كائن حي أو مجموعة كائنات حية خاصة
العناصر الأساسية للبيئة
من المفيد تحديد ما له صفة أساسية في تكوين البيئة واستحضارها هو مجال لدراسة التطبيقات الغزيرة ومحاولة التنظير بالتقريب إذا لم يكن بالتحديــد ، ومن المقرر أن هناك طريقتين لإيضــــــــاح المفاهيــــــم وهما : الحد ( التعريف ) أو العد وربما يعسر حصر تلك العناصر لأنها في ازدياد مع معطيات الحياة وتطوير أساليب المدنية ـ وعليه فإن من أهم عناصر أو عوامل البيئة ما يلي :
(1) المكان ( الأرض ) وهو أول عناصر البيئة وأهمها والصقها باشتقاق لفظها
(2) الزمان ( المناخ ) باعتباره حركة المكان
(3) الماء ، لأنه من ضرورات الحياة
(4) الهواء ، لأنه المالئ للمكان والمؤثر والمتأثر به والمتخلل كل فراغ في الأرض .
(5) المعادن ومصادر الطاقة ، لعدم استغناء الإنسان بطبعه عنها .
(6) النبات ، فهو مصدر الرزق الأول للناس وهو مؤثر ومتأثر بالبيئة
(7) الحيوان ، رفيق الإنسان على هذه الأرض ومن النبات والحيوان غذاء للإنسان الذي هو أيضا مؤثر ومتأثر بالبيئة
( الإنسان ، فهو بالنسبة لبني نوعه عنصر من عناصر بيئتهم من حيث العلاقات بين المتعايشين في البيئة والتأثير المتبادل بينهم بشأنها .
وهناك تنويع للبيئة على أساس ان لها بعدين :
(1) بعد طبيعي : يتكون من الأرض وما عليها وما حولها ( الماء والهواء ) وهو ينقسم إلى :
(أ) بيئة مادية : مجموع الكائنات غير الحية
(ب) بيئة بيولوجية مجموع الكائنات الحية بما فيها الإنسان
(ج) العلاقات المتبادلة والتوازن القائم بين البيئتين ا ، ب
(2) بعد مشيد : وهو يتألف من المكونات التي أنشاها ساكنو البيئة الطبيعية وتشمل : المدارس والمصانع والمشافي والطرق ...... الخ
مكانة الحفاظ على سلامة البيئة في الشريعة الإسلامية
للتعرف إلى المكانة التي تحتلها سلامة البيئة وحفظها من المقررات الشرعية نتناول ذلك من منظورين شرعيين :
أولهما : أصول الفقه والمبادئ العامة ، وبخاصة مقاصد الشريعة
والثاني : أحكام الفقه الإسلامي المتعلقة بالبيئة ، من حيث الحكم التكليفي الإجمالي ، وكذلك أهم التطبيقات لمفردات البيئة التي سبقت الإشارة إليها .
سلامة البيئة وحفظها في مقررات أصول الفقه
المقرر أن للشريعة مقاصد يراد تحقيقها من الأحكام الشرعية الفرعية وقد اهتم علماء أصول الفقه ، بدءاً من إمام الحرمين الجويني ، ثم الغزالي ومن بعدهما ، بتحديد المقاصد الشرعية الأساسية التي شرعت لها الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، مما هو معلوم وغني عن البيان وقد اجتهدوا في تحديد تلك المقاصد وغالبهم انتهوا لحصرها في خمسة مقاصد وهي : حفظ الدين ،و حفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ المال ، وزاد بعضهم حفظ النسب فبلغت ستة ، وبهذا المقصد السادس المزيد ظهر أن هذا الحصر ليس قطعياً بل هو مبدئي ، وأن الباب مفتوح لإضافة مقاصد أخرى .
والواقع أن هذه المقاصد المزيدة تندرج في المقاصد الخمسة باعتبارات واضحة ، وان كان إفراداً دالاً على أهميتها ، وليس فيه مخالفة لإجماع ، فضلاً عن تعارض مع نص شرعي وفيما يلي مزيد من البيان لتعداد تلك المقاصد والزيادة عليها بمثل ( سلامة البيئة ) .
تعداد المقاصد الشرعية الضرورية :
إن المتقدمين من علماء أصول الفقه الذين أوردوا المقاصد الشرعية الضرورية لم يحصروها في المقاصد الخمسة المعروفة ( الدين والنفس والعقل والنسل والمال ) واستمدوها من عقوبات الحدود والقصاص . وعلى ذلك جرى الجويني ثم تلميذه الغزالي ثم الرازي و العز بن عبد السلام والشاطبي ومن بعدهم ابن تيمية حيث ذكر الكليات الخمس في عداد المضار التي تدفع وضمّ إلى ذلك ما يندرج في المنافع التي تجلب ونوه بما في الحصر من التقصير.
وقد قرر العلامة محمد الطاهر ابن عاشور إن المقاصد الشرعية الضرورية منها كلي ومنها جزئي وان الجزئي ما كان عائداً على : آحاد الأمة ، وبالكلي ما كان عائدا على عموم الأمة أو على جماعة .... وفيما يلي ما قاله بهذا الشأن :
فالمصلحة العامة لجميع الأمة قليلة الأمثلة ، وهي مثل حماية البيضة وحفظ الجماعة من التفرق ، وحفظ الدين من الزوال ، وحماية الحرمين حرم مكة وحرم المدينة من أن يقعا في أيدي غير المسلمين ، وحفظ القرآن من التلاشي العام أو التغيير العام بانقضاء حفاظه وتلف مصاحفه معاً ، وحفظ علم السنة من دخول الموضوعات ، ونحو ذلك مما صلاحه وفساده يتناول جميع الأمة وكل فرد منها ، وبعض صور الضروري والحاجي مما يتعلق بجميع الأمة.
وأما المصلحة والمفسدة اللتان تعودان على الجماعات العظيمة ، فهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات المتعلقة بالأمصار والقبائل والأقطار على حسب مبلغ حاجاتها . ثم ذكر أمثلة لذلك : التشريعات القضائية لفصل النوازل ، والمعاهدات لتأمين الأقطار والبحار ، والعقود لتأمين التجارة الدولية .... الخ .
وقد حصلت الزيادة على المقاصد الشرعية الضرورية الخمس في عهد مبكر ، فقد نقل القرافي عن بعض فقهاء عصره زيادة ( حفظ العرض ) ثم قال : ونسب في كتب الشافعية إلى الطوفي : وقد عارض ابن عاشور في إدراج ( حفظ العرض ) في الضروري من المقاصد وان الصواب كونه من قبيل الحاجي . وتوسع ابن فرحون في المقاصد الضرورية بتقسيمها إلى أقسام : ما شرع من العبادات لتحقيق العبودية ، أو لبقاء الإنسان ، أو لتحصيل المبادلات، أو لمكارم الأخلاق
وأضاف المعاصرون : العدل والمساواة والحرية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأبلغها بعضهم إلى أربعة وعشرين .
هذا وقد كان مما انزله ابن عاشور منزلة المقاصد الضرورية مبدأ السماحة ومن حكمتها أن الإسلام دين الفطرة وأمور الفطرة جانب أنساني كما لا يخفى....
حماية البيئة من مجالات مقصد الاستخلاف في الأرض .
لقد أورد د. جمال الدين عطية بين المقاصد التي تخص الإنسانية " تحقيق الخلافة العامة للإنسان في الأرض " وان هذا المفهوم يمثل أرضية مشتركة صالحة للتعاون على أساسها برغم تباين العقائد والأجناس واللغات ، وأنه من مجالات التعاون في عمارة الأرض سواء في مجال حماية البيئة ، أو مكافحة الجريمة ، أو في مجالات التنمية المختلفة الزراعية والصناعية والخدمية وغيرها .
سلامة البيئة وحفظها احد مقاصد التشريع
هنالك منطلقان لإثبات هذه الفكرة وهما :
(1) اعتبار ذلك مقصداً شرعياً مضافا إلى ما سبق تقريره من المقاصد الخمسة .
(2) اعتبار ذلك مقصداً مستنداً إلى المقاصد الخمسة المعروفة ( متمما للواجب ) .
(3) باعتبار أن مقصد رعاية البيئة تتوقف عليه المقاصد الأساسية ) وإهماله يتنافى مع حفظها .
وفيما يلي إيضاح ذلك :
1. اعتبار سلامة البيئة مقصداً شرعياً بذاته :
ينطبق على ( سلامة البيئة وحفظها ) لأنه يتوقف عليه التمكن من تحقيق الهدف من أداء التكاليف الشرعية ، وهو "" إخراج المكلف من داعية هواه ، ليكون عبداً لله اضطراراً "" فان البيئة إذا لم تكن سليمة نقية خالية ستعوق المكلف عن أداء ما أوجبه عليه الله من حقوق لربه تعالى ثم لنفسه وأهله ومجتمعه ومن يشاركون في الحياة .
2. اعتبار سلامة البيئة مقصداً متمماً للواجب :
بالتأمل في الأثر يترتب على سلامة البيئة وحفظها يتبين انه يرجع إلى حفظ البيئة وحفظ النفس والنسل فان أكثر العبادات والواجبات الدينية والدنيوية لا يمكن أداؤها أصلا أو على الوجه الصحيح إلا إذا توافرت البيئة التي يعيش فيها الإنسان ويتعامل مع عناصرها من ماء نقي طاهر ، وجو صحي يبقي على قوة بدنه وغذاء نافع لا يضعف بدنه ويلحق به الأمراض والأعراض السيئة التي يورث بعضها لسلالته
ويقرر احد الفقهاء المعاصرين أن صحة الإنسان التي تهدف الشريعة إلى حفظها وصونها تقتضي أن كل تصرف سلبي في البيئة يؤثر سلباً على صحة الإنسان غير مقبول شرعاً لأنه يتنافى ومقاصد الشريعة
وإذا كان الطرح المعاصر السابق لمكانه حماية البيئة على أنها من مجالات التعاون لتحقيق مقصد الاستخلاف في الأرض فان هناك طرحاً اقوي لموقع حفظ البيئة وهوانه مقصد أساسي ( ضروري ) من مقاصد الشريعة ، وذلك ما قرره الدكتور عبد المجيد النجار ، وفيما يلي جوانب من بياناته لتقرير تلك الدعوى فهو بعد أن أشار إلى أن على الإنسان أن ينجز مهمة الخلافة في الأرض متمثلاً في كل ما له علاقة بالحياة الإنسانية من ارض وما عليها من حيوان ونبات وجماد وما يحيط بها من غلاف جوي ومن سماء وما فيها من كواكب و وإجرام تبين أن لها علاقة بالحياة وتأثيرا فيها قال :
" المتأمل في أحكام الشريعة يجد أن كثيراً منها إنما شرع لتحقيق مقصد حفظ البيئة الطبيعية أن تعمل فيها يد الإنسان بتصرفات تخل بنظامها، أو تعطل مقدراتها على أن تكون صالحة للحياه منمية لها ، أو تربك توازنها الذي تقوم عليه عناصرها المختلفة ، وقد جاءت تلك الأحكام متضافرة كلها على منع الإنسان من ذلك ، وأمره بان يبقى على الطبيعة صالحة كما خلقها الله ، وان يمارس عليها مهمة الخلافة على ذلك الوجه من الصلاح ، وما فتئت تلك الأحكام تظهر أهميتها وتتأكد الحكمة في أوامرها ونواهيها ، وذلك كلما أسفرت الأزمة البيئية عن وجهها الكالح ، وتعالت نذرها بالمصير البائس للحياه ، وذلك هو مبرر أن نفرد هذا المقصد الضروري بفصل مستقل من فصول المقاصد الضرورية للشريعة الإسلامية .
وجماع ما جاء في الدين من أمر بحفظ البيئة ونهي عن أي ضرر بها ما جاء في القران والسنة من نهي مغلظ عن الفساد في الأرض ، ومن تشنيع كبير على هذا الصنيع ، وذلك في مواطن متعددة ومواقف مختلفة مما يدل على أن حفظ البيئة من الفساد مقصد ضروري من مقاصد الشريعة الإسلامية ، ومما جاء في ذلك قوله تعالى ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) .
وانطلق فيما ذهب إليه من مدلول الآيات بان الفساد هنا لا يقتصر على الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي وإنما يشمل الفساد الذي يطال البيئة الطبيعية وهو مقصد أساسي فيها وليس ثانوياً ملحقاً بذلك
واستشهد بما ذكره الطبري عن السدي في تفسير ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) بان الذي نزلت فيه هذه الآية إنما نزلت في قتلة حُمُرا لقوم من المسلمين ، وإحراقه زرعا لهم ، وذلك وان كان جائزاً أن يكون كذلك، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه ، والمراد بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال ، والذي يحل قتله في بعض الأحوال إذا قتله بغير حق ، بل ذلك كذلك عندي لان الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شي بل عمه ) أي وهذا التعميم يشمل بصفة أساسية الإفساد البيئي .
وفي تفصيل الحفاظ على البيئة من هذا الفساد ، جاءت أحكام شرعية كثير تهدف إلى تحقيق هذا المقصد الشرعي ، وهي أحكام تلتقي كلها عند ذات المقصد وان كانت تصل إليه من زوايا مختلفة ، فمن حفظها من التلف إلى حفظها من التلوث ، إلى حفظها من السرف الاستهلاكي ، إلى حفظها بالتنمية المستديمة ، علماً بان الأحكام الشرعية الواردة في هذا الشأن لم تكن مفصلة بصفة مباشرة بما قد يتصور البعض انه قوانين قد وضعت خصيصاً لمعالجة الأزمة البيئية الراهنة ، وإنما هي إشارات وتنبيهات وتوجيهات تنحو أحيانا منحى التعميم ، وتنحو أحيانا أخرى منحى التفصيل ، ولكنها تهدف كلها إلى تأسيس ثقافة بيئية تعصم التصرف الإنساني من الاعتداء إلى المحيط الطبيعي بالفساد في أي وضع كان فيه ، وفي أي مستوى حضاري وصل إليه
نوع وموقع ( سلامة البيئة ) بين المقاصد عند ترتيبها
لقد لاحظ العلماء أن هذه الضروريات تنقسم على جملتها إلى قسمين :
• قسم يضم المقاصد الدينية ، وفيه مقصد حفظ الدين
• وقسم يضم المقاصد الدنيوية ، وهي المقاصد الأربعة الباقية
فاختلفوا على هذا الأساس في ترتيب هذين القسمين ، فكانوا في ذلك على مذهبين :
المذهب الأول : تقديم الدين على المقاصد الأربعة ، والنفس على الثلاثة والنسب على الاثنين ، والعقل على المال وهذا ما ذهب إليه الجمهور من الأصوليين .
المذهب الثاني : إن مقصود الدين متأخر عن الأربعة ، فيكون تريب الضروريات الخمس بتقديم النفس على الأربعة ، فيكون ترتيب الضروريات الخمس بتقديم النفس على الأربعة ثم النسب على الثلاثة ثم العقل على الاثنين ثم المال على الدين وآخر الضروريات يكون حفظ الدين .
وقد حسن هذا الترتيب ابن أمير الحاج من الحنفية حيث قال رحمه الله : " وقد كان الأحسن تقديم هذه الأربعة على الديني ، لأنها حق الآدمي ومبني على الضيق ويتضرر بفواته والديني حق الله تعالى وهو مبني على التيسير والمسامحة وهو لغناه وتعاليه لا يتضرر بفواته. ويبدو من كلام ابن الحاجب انه يرى إمكان تقديم وترجيع الأربعة على مقصد حفظ الدين محتجاً بان حق الآدمي مرجح على حق الله تعالى ، فانه يقول رحمه الله " وقد يرجع العكس – أي المقاصد الدنيوية الأربعة على مقصد الدين بان حق الآدمي لتضرره مرجح على حق الله لعلوه عن الضرر .
ولا يخفى أن ( سلامة البيئة ) من المقاصد الدنيوية رغم تأثيرها في المقاصد الدينية فينطبق عليها ما سبق .
حفظ البيئة بإقامة الأصل بوجودها ومنع اختلالها .
نقل الطاهر ابن عاشور عن الشاطبي قوله : " وحفظ هذه الضروريــــــات ( ومنها كما سبق حفظ البيئة ) بأمرين :
احدهما ما يقيم أصل وجودها
والثاني ما يدفع عنها الاختلال الذي يعرض لها "
ثم قوله : إن حفظ هذه الكليات معناه حفظها بالنسبة لآحاد الأمة وبالنسبة لعموم الأمة بالأولى :
فحفظ الدين معناه حفظ دين كل احد من المسلمين أن يدخل عليه ما يفسد اعتقاده وعمله اللاحق بالدين وحفظ الدين بالنسبة لعموم الأمة ، أي دفع كل ما شانه أن ينقض أصول الدين القطعية . ويدخل في ذلك حماية البيضة والذب عن الحوزة الإسلامية بإبقاء وسائل تلقي الدين من الأمة حاضرها واتيها .
ومعنى حفظ النفوس حفظ الأرواح من التلف افراداً وعموماً ، لان العالم مركب من افراد الإنسان ، وفي كل نفس خصائصها التي بها بعض قوام العالم . وليس المراد حفظها بالقصاص كما مثل به الفقهاء ، بل نجد القصاص هو اضعف أنواع حفظ النفوس ، لأنه تدارك بعض الفوات . بل الحفظ أهمه حفظهما عن التلف قبل وقوعه ، مثل مقاومة الأمراض السارية . وقد منع عمر بن الخطاب الجيش من دخول الشام لأجل طاعون عمواس .
معطيات الفكر البيئي المعاصر ، وجذورها الإسلامية
لا ينكر أن الفكر البيئي المعاصر قد جاء بعدد من المفاهيم التي تغيرت بها نظرة الإنسان للبيئة ، وهي و إن كانت حديثة الظهور في الغرب فإن جذورها في التراث الإسلامي قديمة وأصيلة .
وعلى سبيل المثال - لا الحصر – نورد هذه المقارنة الموجزة بين بعض المفاهيم التي جاء بها الفكر البيئي المعاصر ، وما يقابلها من الإشارات القرآنية التالية :
أ- مفهوم ( شـمولية البيئة ) بمعنى وحدتها والترابط القائم بين عناصرها يقابله مفهوم ( وحدة الكون ) وانتظام القوانين التي أودعها الله تعالى فيه ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق واجل مسمى ) .
ب- مفهوم ( التوازن ) وهو الوضع الوسط الذي يسود مكونات البيئة بحيث تتفاعل بعلاقات متوازنة يقابله مبدأ ( الميزان ) الذي جعله الله ضماناً لاستمرار الحياة في الكون ( الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان ) .
ج- مفهوم ( محدودية الموارد ) رغم ما رتب عليه الاقتصاديون من مبدأ ندرة الموارد بالتفسير التقليدي يقابله مبدأ ( التقدير ) (كل شي عنده بمقدار ) ( وقدر فيها أقواتها ) .
د- مفهوم ( التنوع ) الذي يتحقق به التوازن الطبيعي يقابله مبدأ تنوع الخلق الذي هو الوسيلة للحفاظ على أوضاع النظم البيئية (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفســـــهم ومما لا يعلمون )
ه- مفهوم حماية البيئة يقايله مبدأ حراسة الأرض التي استخلف فيها الإنسان ليقوم بصيانتها لضمان استمرار الانتفاع من خيراتها .
المصادقة مع البيئة
خلق الله تعالى لمصلحة الإنسان وانتفاعه كل ما في البيئة من ماء وهواء ومناخ وحيوان ونبات وتربة و معادن ، وأوجدها بمقاسات ومعايير متوازنة لمصلحة الإنسان كي يستثمرها ويعمرها وينتفع من خبراتها ( وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) .
ومن هنا كان المنهج الإسلامي في تحديد علاقة الإنسان بالبيئة هي الصداقة والشعور بالصلة الوثيقة والخصوصية وهذا يختلف عن المنهج الذي يتردد أحياناً بالرغم من الشعارات لصالح البيئة – فيجعل العلاقة بين الإنسان وبين البيئية هي القهر لها والتغلب عليها ، بحيث ظهرت تعابير ( قهر البيئة ) ( غزو الصحراء ) مما يندرج في أسلوب الصراع.
ومن هذا القبيل الحقبة الاستعمارية وما اتصفت من حرص وطمع المستعمر لامتلاك خيرات البلاد المستعمرة والاستنزاف لطاقاتها ومواردها وحرمان الشعوب الأصلية منها وكان الاستعمار اكبر أعداء البيئة . وقد تغير الحال الآن بعد أن ملكت الدول أمورها وازداد حرصها على مواردها والمزايا الطبيعية لبيئاتها ما بين معادن ومكامن للطاقة ، أو أراض خصبة ، أو مساحات خضراء ( غابات و حدائق ومحميات ) .
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الممارسات لدى الغربيين تبالغ في شان بعض عناصر البيئة، على حساب المصلحة الواضحة للإنسان ، وكل من المبالغة ( الإفراط ) أو التقصير مذموم .
ومقتضى الصداقة مع البيئة أن يكون التعامل مع البيئة وما سخره الله للناس من إمكانات تعاملاً تغلفه الألفة وتحوطه الرحمة وتجمعه بالإنسان عبادة الله تعالى المشتركة وكيلا تتعرض الموارد للاستنزاف والتبديد ، لابد أن يحمل الإنسان من القيم ما يتفق وتحقيق الأهداف السابقة ، إذ القيم التي يحملها الإنسان ، والموقف الذي يتخذه حيال الطبيعة والموارد التي أودعها الله تعالى فيها هي التي تحدد إن كان الإنسان صديقاً للبيئة والحياة أو عدوا لها، مضرا بها وقاسياً عليها ، مع استحضار أن الإسلام دين جاء ليغرس في الإنسان مجموعة من القيم التي تجعل منه صديقاً حميما للبيئة والحياة بعمرها ماديا كما يعمرها معنويا بالعديد من القيم التي تجعل منه صديقاً حميماً للبيئة والحياة يعمرها ماديا ومعنويا بالعديد من القيم ومنها تلك التي تحكم الجانب الاقتصادي .
والمنهج الإسلامي في الحفاظ على البيئة هو الأمر بالتوسط والاعتدال في كل تصرفات الإنسان، باعتبار الإسراف من أهم عوامل الخلل والاضطراب في منظومة التوازن البيئي المحكم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للحياة والإحياء في هذا الكون . وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن يقف الإنسان مكتوف الأيدي إزاء النظم البيئية المحيطة به ، أو أن يعطل أداء واجب التعمير ( التنمية ) الذي تقتضيه أمانة الاستخلاف في الأرض ولكنه يعني أن يتعامل الإنسان مع هذه النظم البيئية بما يمكنه من تطوير حياته دون إسراف في استخدام الموارد الطبيعية أو جور على حقوق الآخرين .
المشكلات التي تهدد البيئة
هناك مشكلات كثيرة تهدد البيئة ولا حصر لها فهي في تزايد مستمر
(1) التلوث ، التصحر ، الانقراض ( فقدان التنوع البيولوجي ) ، الاستنزاف للموارد
(2) الرعب النووي ، التدمير الشامل
(3) الاحتباس الحراري ، استنفاذ أوزون الغلاف الجوي
(4) عدم الاعتراف بالقيم البيئية والحوافز بشان البيئة .
وهذه المشكلات لا تهدد الإنسان المعاصر فحسب بل تهدد حق الأجيال القادمة في عيشهم في مناخ صحي امن ، وحصولهم على حاجاتهم المعيشية .
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى عدم قدرة الإنسان الذي شهد اكتشافات هائلة في مجال التعليم والتكنولوجيا على التعامل مع التوازنات البيئية الطبيعية أثناء سعيه الدءوب لإشباع حاجاته الأمر الذي يتطلبه إدارة للأنشطة التنموية تضمن استدامة التنمية من خلال إدارة كل نشاط بأقل قدر من الموارد وبأقل لفظ للنفايات .
والتنمية المستدامة للبيئة ذات مضمون أخلاقي ينطوي على مسئولية للجيل الحالي تجاه الأجيال القادمة . وبعض هذه المشكلات ينتج عنها احد أمرين أو كلاهما :
• فساد البيئة التي يعيش فيها الإنسان وسائر الكائنات الحية
• فساد الموارد البيئية التي يعتمد عليها الإنسان وسائر الكائنات الحية
الأمر الذي ينتقص من صحتهم وينتقص من عطاء الموارد الطبيعية اللازمة لمعيشتهم ، واختلال التوازنات الطبيعية .
ولقد ميز الله تعالى الإنسان بالعقل والعلم والعمل ، واستخلفه في الأرض واستأمنه عليها لعمرها . ولكن الإنسان قد قصر في هذه الأمانة حين تعامل مع مستويات من العلم والمعرفة لم ولن تصلها إدراكاته أبداً ، الأمر الذي أدى إلى فساد البيئة والذي تمثل في استنزاف الموارد الطبيعية وتلوثها واختلال التوازنات الطبيعية .
فالوسطية الرشيدة إذن هي مسلك المسلمين ودعوة الإسلام لإتباعه في كل الأحوال وعموم الأوقات ومن ثم فإنها خير ضمان لحماية التوازن البيئي الذي سنه الخالق جل وعلا لاحتضان الحياة واستمرار الوجود على كوكب الأرض ولقد أجمعت الدراسات التي أجريت حول مشكلات التلوث البيئي بجميع أشكاله ، على أن الإسراف يفضي إلى مشكلات بيئية أخرى لا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحدة بل يمتد ليشمل باقي الأحياء التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض وان ما تعانيه البيئة اليوم من تدهور شمل ثرواتها الطبيعية التي أوشك بعضها على النفاذ ، وغاباتها الشاسعة التي أزيل منها الكثير ، بالإضافة إلى بعض أنواع الطيور والحيوانات والكائنات البحرية التي انقرضت ، أو في طريقها إلى الانقراض ليس إلا نتيجة طبيعية لتدخل الإنسان الزائد عن الحد بما يفسد على البيئة نظامها المحكم الدقيق .
ولا شك أن خير وسيلة لإنقاذ البشرية أو البيئة من آثار الإسراف واستنزاف الموارد الطبيعية دون جدوى ، أو دون اكتراث بالأخطار ، إنما يكون بالعودة إلى منهج الدين الإسلامي في الوسطية والاعتدال حيث لا ضرر ولا ضرار
الحفاظ على سلامة البيئة في الشريعة الإسلامية
تمهيد في أدبيات البيئة في التراث الإسلامي من حيث التطبيقات
أورد الدكتور احمد فؤاد باشا في دراسة له أن التراث الإسلامي يزخر بمؤلفات عديدة حول البيئة وسلامتها من جوانب مختلفة ، فعلى سبيل المثال ، ألف الكندي " رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الاوباء ورسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية " ووضع ابن المبرح كتابا اسماه " فنون المنون في الوباء والطاعون " وتكلم ابن سينا بالتفصيل في كتابه " القانون " عن تلوث المياه ومعالجته ، وعن طبيعة الماء والهواء المؤثرين في المكان عند اختيار موقع ما للسكنى .
أما الرازي فقد نشد سلامة البيئة عندما استشاره عضد الدولة في اختيار موقع لمستشفى بغداد فاختار الناحية التي لم يفسد فيها اللحم بسرعة ، وكانت المستشفيات بصورة عامة تتمتع بموقع تتوافر فيه كل شروط الصحة والجمال ، فعندما أراد السلطان صلاح الدين أن ينشئ مستشفى في القاهرة اختار له احد قصوره الفخمة البعيدة عن الضوضاء وحوله إلى مستشفى ضخم كبير هو المستشفى الناصري .
وألف الرازي " رسالة في تأثير فصل الربيع وتغير الهواء تبعاً لذلك " وأبان أبو مروان الأندلسي في كتابه " التيسير في المداواة والتدبير " عن فساد الهواء الذي يهب من المستنقعات والبرك ذات الماء الراكد وجاء في كتاب بستان الأطباء وروضة الالباء " لابن المطران الدمشقي ما يؤكد ضرورة مراعاة تأثير البيئة عند تشخيص المرض في بلد ، أن ينظر في وضع المدينة ، ومزاج الهواء المحيط بها ، والمياه الجارية فيها والتدبير الخاص الذي يستعمله قوم دون قوم وهذه رؤية متقدمة في " علم الطب البيئي " .
وصنف محمد ابن احمد التميمي في القران الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) كتابا كاملا عن التلوث البيئي وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه ، وفصل الحديث فيه عن ثلاثية الهواء والماء والتربة وتبادل التلوث بين عناصرها وجعل عنوانه " مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الاوباء "
وتضيف الدكتور عزة الرباط التنويه بما في رسائل إخوان الصفامن الكلام عن عناصر البيئة وعلاقتها ببعضها ، وما في كتاب الحيوان للجاحظ ، وحياة الحيوان للدميري والقزويني في عجائب المخلوقات عن تأثير البيئة على الحيوان وما كتبه المجريطي عن البيئة الطبيعية وتأثيرها على الكائنات الحية وكتابات أبي زكريا العوام وابن البيطار عن النبات .
النصوص القرآنية في شان البيئة
وقبل الدخول في المبادئ التطبيقية المتعلقة بالحفاظ على سلامة البيئة من المناسب استعراض النصوص القرآنية التي استشهد بها الباحثون في الموضوع والتعرف إلى دقة ذلك الاستشهاد أو التحكم فيه لمجرد اشتمال النص على كلمة ( الفساد ) أو ( الإفساد ) عموما أو الإفساد في الأرض أو المفسدين ......... الخ
لا يخفى أن الفساد أو الإفساد وحتى الإفساد في الأرض المقصود الأساسي منه هو ضد الإصلاح والإصلاح المعنوي فهو مخالفة أمر الله ، والتنكب عن شرعه والمعصية لما جاءت به رسله . أي انه الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي لكنه – كما نبه بعض الباحثين – لا يقتصر عليه ، فيشمل الإفساد المادي للبيئة ومواردها .
والجدير بالذكر أن بعض الآيات جاء في سياقها ما يؤكد هذه الشمولية، إذا لم تحمل على خصوصية الإفساد المادي ، مثل قوله تعالى (( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )) وقد سبقت الإشارة إلى ذلك العموم في المراد بهذه الآية الإمام الطبري فيما نقله عن السدي سبب نزولها وهو قتل حمر لقوم من المسلمين وإحراق زرع لهم .ولا يخفى أن ذلك التعميم يشمل الإفساد البيئي .
مبادئ شرعية تطبيقية في الحفاظ على سلامة البيئة
وفيما يلي ما طرحه د.عبد المجيد النجار من وجوه حفظ البيئة سواء بالإبقاء عليها سليمة بحفظها من التلف أو التلوث أو فرط الاستهلاك أو بحفظها بالتنمية .
حفظ البيئة من التلف
من المنهي عنه نهياً مغلظاً في التعاليم الإسلامية الإتلاف للبيئة الذي يتمثل في احد نوعين : الإتلاف الذي يفضي إلى عجز البيئة عن التعويض الذاتي لما يقع إتلافه فيؤول إلى الانقراض والإتلاف قي استخدام مواردها ولو كان ذلك الإتلاف استهلاكا في منفعة .
وإنما طلبت الشريعة الإسلامية صيانة البيئة من هذين النوعين من التلف لما يفضي إليه كل منهما من خلل بيئي يعطل كفاءة البيئة عن أداء مهمتها في إعالة الحياة ، إذ كل شي فيها قدر تقديرا في سبيل تحقيق تلك الإعالة ، ومن النصوص الناهية عن إتلاف البيئة بنوعيه قوله تعالى : (( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )) ، وقوله في النهي عن إتلاف الحيوان " من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول " أن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني في منفعة " وقوله " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض " وكذلك الأمر بالنسبة لإتلاف النبات ، فقد قال صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ، " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار "
حفظ البيئة من التلوث
لا يكون الفساد في الأرض بإهلاك عناصر البيئة الطبيعية إهلاكا عبثياً أو إهلاكا قارضا فحسب، وإنما يكون الفاسد أيضاً بتلويث البيئة بما يقذف فيها من عناصر مسمومة ، أو بما يغير من النسب الكمية أو الكيفية لمكونات البيئة التي قدرت عليها في أصل خلقتها ، فان ذلك يفضي إلى تعطيل العناصر البيئية في ذاتها أو في كيفياتها عن أن تؤدي دورها النفعي للإنسان ، بل قد تحولها هي نفسها إلى عناصر وكيفيات مسمومة ، وإذا أداؤها البيئي يتحول من نفع للحياة ولحياة الإنسان خاصة إلى إضرار بهما من حيث وجدت البيئة أصلا من اجل إعمار الحياة ، وتمكين الإنسان من أداء مهمة الخلافة .
ومن أبين الأحكام المتعلقة بصيانة البيئة من التلوث ما جاء من تشريع يوجب على الإنسان الطهارة في حياته كلها ، ابتداءا من طهارة الجسم إلى طهارة الثوب والآنية والمنزل ، وانتهاء بطهارة الشارع والحي والأماكن العامة . وقد ارتقت الأوامر الشرعية في هذا الشأن إلى أن أصبحت تمثل مبدأ أساسيا من مبادئ السلوك ، بل انها ارتبطت بمفهوم العبادة ارتباطا أصبح معه التطهر بمفهومه العام جزءا من عبادة الله عالى وناهيك عن ذاك أن الصلاة وهي رأس العبادات تتوقف في صحتها على تحقق الطهارة في الجسم والثوب والمكان وقد قال تعالى في التطهر بمعنى عام (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )).
ومن هذه الأحكام ذات الدلالة في صيانة البيئة من التلوث ما جاء في تشريع يوجب التطهير للاماكن الخاصة والعامة وصيانتها من كل ما عسى أن يلوثها من مختلف الملوثات، فقد قال صلى الله عليه وسلم (( إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله )) وذلك على معنى أن يتخير لتصريف بوله موقعا تمحي فيه آثاره بسرعة فلا يكون له تلويث يضر بما حوله ، كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا : (( اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل ) ففي هذه المواضع يكون البراز أكثر تلويثا للبيئة إذا هي مواقع حركة من شأنها أن تزيده انتشارا ، فورد النهي عنها منعاً للتلوث ، وفي هذا السياق قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه )) وذلك لما يتسبب فيه هذا الصنيع من تلوث المياه وعفونتها .
حفظ البيئة من فرط الاستهلاك
إن كل كائن حي في البيئة حياته أن يكون من مواردها استهلاك مقدرة بالدورة الكبرى ، محسوب في قيام توزانها ودوامه ، والإنسان لا يخرج عن هذا القانون البيئي إلا أن المهمة التي كلف بها لتكون غاية لوجوده تقتضي لكي ينجزها أن يكون استهلاكه من مقدرات البيئة أوفى من الاستهلاك لمجرد الحفاظ على الحياة مثل سائر الكائنات الحية الأخرى ، إذ هو مكلف بالتعمير في الأرض وهي غير مكلفة بشيء ، وهذا الاستهلاك الزائد الذي تقتضيه مهمة الإنسان في الحياة هو أيضا مقدر في التكوين البيئي، محسوب في قيام توازنها ودوامه .
والنصوص الشرعية كثيرة في ذم التبذير والإسراف وهو الإنفاق في غير حق سواء في الماء أو الشجر أو سائر موارد البيئة ، وفي الاقتصاد والتوسط بين الإسراف والبخل ولاسيما فيما هو محدود الكمية غير قابل للتكاثر .
حفظ البيئة بالتنمية
لما كانت بعض الموارد تصير بالاستهلاك إلى نفاد ليس له جبر فان التشريع الإسلامي جاء يصونها بالترشيد في ذلك الاستهلاك وعدم التبذير كما بيناه آنفا . ولكن تلك الموارد التي تصير هي أيضا إلى النفاذ ولكنها تقبل الجبر لذا جاء التشريع الإسلامي يوجه إلى صيانتها من النفاد بترشيد الاستهلاك فيها أيضا فانه جاء يوجه إلى صيانتها بطريقة أخرى أكثر فعالية في الصيانة ، وهي طريقة التثمير والتنمية ، وذلك ليكون ما يستهلك منها مخلوفا على الدوام بما ينمي ويثمر .
وفي هذا السياق جعلت الشريعة الإسلامية زرع الزروع وغرس الأشجار بابا عظيما من أبواب الأجر لا ينقطع ن فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة ، ولا يرزؤه احد إلا كان له صدقة ) وكفى بذلك دافعا إلى التنمية البيئية في المجال النباتي .
ومن التشريعات الإسلامية في تنمية البيئة ما جعل في ملكية الأرض إذا كانت مهملة من أن إحياءها بالزرع هو السبب الذي يبتغى منه ملكيتها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم (( من أحيا أرضا ميتة فهي له ) ) وما جعل من أن تعطيل تلك الأرض عن دورها الإنمائي للثروة النباتية قد يكون سببا في نزع ملكيتها من صاحبها ، قد قال صلى الله عليه وسلم (( من كانت له ارض فليزرعها أو ليمنحها أخاه )) وحينما يعتبر إنماء البيئة النباتية سببا لملكية الأرض فان ذلك يكون دافعاً قويا لتحقيق هذا الإنماء لفطرية ما في النفوس من حب التملك عامة وتملك الأرض بصفة خاصة .
علم النفس البيئي ، وعلم التربية البيئي وغيرها من العلوم :
الحاجة ملحة وماسة لعلم نفسي بيئي ، يعيد للإنسان توازنه و للبيئة حقها المسلوب وللمجتمع هدوءه واستقراره وللتنمية ديمومتها وتقدمها . إن علم النفس البيئي فرع جديد من فروع علم النفس الحديث ظهر من جراء تزايد الاهتمام بالبيئة وما يكتنفها من التلوث والتدمير والعدوان وما أصابها من عبث وفساد .
إن علم النفس البيئي يتعامل مع العلاقة المتبادلة والتأثير المشترك بين الإنسان وبيئته ، وهو محاولة عملية للمساهمة في حماية البيئة وحل مشاكلها المتزايدة ، وتتضح هذه الحقيقة من كون معظم المشاكل البيئية هي في واقع الأمر من صنع الإنسان .
يقول الدكتور عبد الرحمن محمد العيسوي في كتابه الرائع ( في علم النفس البيئي ) إن أفضل الطرق لعلاج التلوث والوقاية من انتشاره تكمن في تعديل سلوك الناس واتجاهاتهم نحو بيئتهم ونحو حب البيئة والارتباط بها ، والشعور بأننا وبيئتنا شي واحد .
والحقيقة التي تؤكدها إن قضية المحافظة على البيئة وحمايتها وتجميلها وتحسينها واستغلالها قضية تربوية في المقام الأول ذلك لان القانون ومهما شدد من العقوبات فانه لا يستطيع أن يراقب الإنسان في كل خطواته وهو داخل منزله أو داخل غرفته أو في عمله أو في الحدائق العامة أو في المنتزهات .
إن قضية البيئة قضية مشتركة العلوم ، يهتم بها علماء الشريعة وكذا الطب والسياسة والاقتصاد والتربية وعلم النفس والقانون والإعلام والسياحة والزراعة والصناعة كل من جهة تخصصه بل إن هناك فروعا متخصصة أخرى ظهرت حديثا مثل : علم الاجتماع الحضري والزراعي والصناعي وعلم الحياة الاجتماعية وعلوم الجغرافيا السلوكية وعلم التخطيط للترفية وقضاء أوقات الفراغ ، وهي ذات علاقات مشتركة مع قضايا البيئة .
وحفظ البيئة بقضية أخرى مهمة وحيوية هي قضية التنمية الشاملة والتنمية الشاملة كما هو معلوم تهتم بتنكية الجوانب الاقتصادية والبشرية والاجتماعية والســــــياحية والزراعة والثقافية والريفية والإنســــانية بشكل عام
جوانب من الاهتمام العالمي بالبيئة
هذه الجوانب متممة للبحث للحفظ على إيلاء المسلمين الأهمية للبيئة لمواكبة الجهود العالمية:
أولا : مؤسسات حماية البيئة .:
أ- تقوم المؤسسة الإسلامية للحفاظ على البيئة والعلوم البيئية ومركزها في ببرمنجهام بانجلترا بتطوير برامج متنوعة للمؤسسات الدينية في الدول الإسلامية حول العالم . في أواخر عام 2006م قامت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بإطلاق برنامج تربوي بيئي في تنزانيا يستهدف 12650 من تلاميذ المدارس الابتدائية و 12650 من طلبة المدارس الدينية الإسلامية وتدريب 220 من أساتذة وتلاميذ المدارس الابتدائية حول قضايا تتعلق بالأنظمة البيئية البحرية والساحلية .
ب- تتخذ دول مثل إيران خطوات ايجابية في هذا المجال وتفخر كثيرا بحقيقة أن مؤتمر " رامسار " حول حماية المناطق المائية ، والذي حقق نجاحاً باهرا ، يأخذ اسمه من مدينة إيرانية تم فيها توقيع اتفاقية خاصة بذلك عام 1971م ورغم سنوات عديدة تالية من النزاع واللامبالاة البيئية قامت الحكومة الإيرانية عام 2004م بتنظيم مؤتمر دولي حول الأمن البيئي دعي إليه الأميركيون أيضا ، حيث أبرزت قضية استخدام الحفاظ على البيئة من اجل بناء السلام وقد صرح الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بان التلوث يطرح خطرا أعظم بكثير من الحرب واقترح حلولاً من أجل الحفاظ على البيئة كأكثر قضية ايجابية تجمع دول الخليج معاً .
ج- تحاول دول الخليج من جانبها ، الحد من التلوث البيئي وآثاره إذ تضطلع دولة الإمارات العربية المتحدة بتجربة رائدة وفريدة من نوعها حاليا وذلك بإنشاء مدينة متوازنة وخالية من الانبعاثات الكربونية هي مدينة " مصدر " التي ستعتمد على مصادر الطاقة البديلة وستؤوي حوالي خمسين ألف شخص .
د- يوجد في جزء ناء من جاوا أكثر جزر اندونيسيا اكتظاظا بالسكان نوع غير شائع من الوعي البيئي اخذ يتجذر في ظلال بركان ميرابي العظيم ووسط حقول خصبة من الأرز وقصب السكر تقوم مدرسة صغيرة بتخريج بيئيين لا يعتمد التزامهم في الأرض على نصوص غربية للحفاظ على الطبيعة وإنما على قيم ترتكز على تعاليم الإسلام ويستخدم مدير المدرسة نصر الدين انشاري أحيانا شعار ارض واحدة للجميع بنفس عدد المرات التي يتفوه بها بالتكبير ( الله اكبر )
ه- عقدت جامعة السلام التي قامت بتكليف من الأمم المتحدة في مكان لا يبعد كثيراً عن مدرستنا الدينية صديقة الطبيعة حول تعليم السلام بمضمون إسلامي في نوفمبر الماضي بجامعة " غادجا مادا " في يوغيكارتا وقد تجمع عدد من علماء الدول الإسلامية لبحث الأبعاد المختلفة لتعليم السلام وتطوير خطط دراسية لتطبيقها في المدارس الإسلامية .
ثانيا : مؤتمرات حماية البيئة
• عقد مؤتمر دولي لمنع تلوث البحار بالنفط 1954م
• عقد مؤتمر للبيئة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث على حلول لمشكلات التلوث غيرها .
• وفي عام 1972م عقد مؤتمر للأمم المتحدة في مدينة ستوكهولم السويدية وحضرته كافة الدول .
• وفي عام 1975م عقدت ندوة عالمية للتربية البيئية والبحار في بلجراد .
• وقد عقدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء البيئة في الرباط نوفمبر 2008م.
ثالثا : نشرات ومجلات مخصصة لذلك :
هناك نشرات محلية صادرة عن وزارات الصحة كما ان هناك مجلات محلية وعالمية في شؤون البيئة وحمايتها .
رابعا : المحميات المخصصة للبيئة في مجال الحيوان والنبات "
خامسا : هناك متطلبات صناعية وخدمية واشتراطات عالمية
سادسا : أكاديمية إسلامية للبيئة مقترحة .
المراجع
• الغذاء والبيئة ، نزار احمد النصف ( نشر جمعية حماية البيئة الكويتية )
• الأمراض والوراثة والبيئة د.احمد الكباريتي ( نشر جمعية حماية البيئة 1981 )
• البيئة والإنسان علي راضي أبو زريق من سلسلة دعوة الحق إصدار رابطة العالم الإسلامي برقم 195 طبع عام 1416هـ
• البيئة وجذور التربية البيئية الدكتورة عزة عمر الرباط مطبعة الصباغ دمشق 2000م
• البيئة في الإسلام علاء الخطيب من الانترنت
• الإنسان والبيئة والتنمية من منظور إسلامي احمد فؤاد باشا مجلة العالمية تاريخ 1428هـ 2007م
• الترية البيئية من منظور إسلامي مجموعة مقالات نظمي خليل أبو العطا من الانترنت
• الإنسان والبيئة محمد رشيد الصباريني مكتبة الكناتي الأردن 1994
• هندسة النظام البيئي في القران الكريم دار الحكمة البحرين 1995
• البيئة العامة ، الجزء النظري أكرم الخوري ومحمد عبيد 1990 دمشق
• تلوث البيئة وكيف عالجه الإسلام محمد احمد رشوان جامعة محمد بن سعود الرياض 1994
• التلوث الضوضائي والتربية البيئية المطببة العصرية بيروت 1997
• التربية البيئية محمد منير سعد الدين دار بيروت المحروسة 1995
• البيئة في الفكر الإنساني والواقع الإيماني عبد الحكيم عبد اللطيف الصعيدي
• المنهج الإسلامي لعلاج تلوث البيئة احمد عبد الوهاب عبد الجواد الدار العربية للنشر القاهرة 1993
• التلوث وحماية البيئة محمد عودات مطبعة الأهالي دمشق 1988
• البيئة والصحة العامة إحسان علي محاسن دار الشروق عمان 1992
• التربية البيئية في الوطن العربية إبراهيم عصمت مطاوع دار الكرامة 1995
• الإسلام والمحافظة على البيئة ايريس صفوت مجلة الإسلام اليوم ايسيسكو 1994
• المدخل إلى العلوم البيئية سامح عرابية ويحيى فرحان دار الشروق عام 1987 عمان
• التربية البيئية صبري الدمرداش دار المعارف القاهرة 1998
• الإنسان وتلوث البيئة محمد السيد ارناؤوط القاهرة 1999
• التربية البيئية لطفل الروضة وفاء سلامة ( رسالة دكتوراه ) دار الفكر العربي 1998
• بيئة من اجل البقاء محمد سعيد الحفار دار الثقافة قطر 1990
• البيئة في شرع خالقها ( بحث ) مجلة الأزهر للعلوم 1997
• قضايا البيئة من منظور إسلامي وزارة الأوقاف قطر 1999